بعد أيام من التوتر المتصاعد والهجمات المتبادلة، يسود الهدوء الحذر بين إيران وإسرائيل، مع إعلان وقف إطلاق النار. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: من خرج منتصرًا من هذه الجولة من التصعيد؟ الإجابة ليست بسيطة، فالصورة معقدة وتتجاوز مجرد تقييم الخسائر المادية أو المكاسب العسكرية المباشرة. بل تتطلب تحليلًا معمقًا للأبعاد السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي تكتنف هذا الصراع الطويل الأمد.

تقييم الأضرار والخسائر:

ركزت الهجمات الإيرانية، التي شنت ردًا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، على مواقع عسكرية إسرائيلية. في المقابل، ردت إسرائيل بضربات محدودة داخل إيران. لم يتم الإعلان عن خسائر بشرية كبيرة من كلا الجانبين، ولكن الأضرار المادية تظل قيد التقييم. الأهم من ذلك هو التأثير النفسي والاستراتيجي لهذه الهجمات المتبادلة، حيث كسرت حاجزًا من عدم الاشتباك المباشر بين البلدين، مما يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد في المستقبل.

الرواية الإيرانية: ردع أم استعراض قوة؟

تعتبر إيران أن ردها كان ضروريًا لإرسال رسالة ردع قوية لإسرائيل، مفادها أن أي هجوم على مصالحها سيواجه برد مماثل. تؤكد طهران أنها حققت أهدافها من خلال إظهار قدرتها على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وإجبار إسرائيل على تفعيل منظومات الدفاع الجوي المكلفة. يرى البعض أن هذا الرد كان محسوبًا بعناية لتجنب حرب شاملة، مع التركيز على إظهار القوة بدلاً من إلحاق أضرار جسيمة.

الرواية الإسرائيلية: حماية الردع أم تغيير قواعد اللعبة؟

من جهتها، تسعى إسرائيل إلى تصوير ردها على أنه رسالة واضحة لإيران بأنها لن تتسامح مع أي تهديد لأمنها. تؤكد تل أبيب أنها نجحت في اعتراض معظم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، وأنها قادرة على حماية نفسها من الهجمات الصاروخية. ومع ذلك، يرى البعض أن الرد الإسرائيلي كان محدودًا للغاية، وأنه لم يردع إيران بشكل فعال عن تكرار هذه الهجمات في المستقبل. السؤال المطروح هو: هل نجحت إسرائيل في الحفاظ على توازن الردع، أم أنها شجعت إيران على المضي قدمًا في سياساتها العدوانية؟

الخلاصة: لا منتصر حقيقي في صراع مستمر

في نهاية المطاف، من الصعب تحديد منتصر حقيقي في هذه الجولة من التصعيد. كلا الطرفين حقق بعض المكاسب على المستوى الدعائي والسياسي، ولكن التكلفة الحقيقية لهذا الصراع تقع على عاتق المنطقة بأسرها. التصعيد يزيد من حالة عدم الاستقرار، ويعمق الانقسامات، ويؤدي إلى مزيد من العنف.

"الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو العودة إلى طاولة المفاوضات، والبحث عن حلول دبلوماسية تضمن أمن واستقرار المنطقة بأسرها."

إن وقف إطلاق النار الحالي قد يكون مجرد هدنة مؤقتة قبل جولة جديدة من التصعيد، ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة نحو حل سياسي شامل.