شهدت أسعار الفضة تراجعاً ملحوظاً في الأسواق المحلية والعالمية خلال ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، في حركة تصحيحية تأتي بعد فترة من التقلبات التي مرت بها أسواق المعادن الثمينة.

 

ويأتي هذا الانخفاض في ظل هدوء نسبي يسيطر على التعاملات المحلية بسبب العطلة الرسمية، بينما تظل الأنظار شاخصة نحو البيانات الاقتصادية العالمية وتوجهات السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى، والتي تمثل المحرك الرئيسي لأسعار السلع والمعادن.

 

وقد سجل سعر جرام الفضة انخفاضاً يتماشى مع التوجه العام في البورصات العالمية، مما أثار تساؤلات المستهلكين والمستثمرين حول مسار المعدن الأبيض خلال الفترة المقبلة، وما إذا كان هذا التراجع يمثل فرصة للشراء أم مؤشراً على موجة هبوط أوسع نطاقاً.

 

الأسباب المباشرة وراء التراجع

يعود هذا الانخفاض في أسعار الفضة إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، على رأسها ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي الذي استعاد بعضاً من قوته في التعاملات الأخيرة.

 

ومن المعروف أن هناك علاقة عكسية بين الدولار وأسعار السلع المقومة به، حيث إن قوة الدولار تجعل الفضة أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، مما يقلل من جاذبيتها كأصل استثماري ويضغط على الطلب.

 

إضافة إلى ذلك، لا تزال الأسواق تتفاعل مع التوقعات المتعلقة بأسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث تشير التلميحات الأخيرة إلى إمكانية الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة لفترة أطول لكبح التضخم، وهو ما يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعادن الثمينة التي لا تدر عائداً مثل الفضة والذهب.

 

تأثير عطلة العيد على السوق المحلية

على الصعيد المحلي، ساهمت عطلة عيد الأضحى في تعميق أثر التراجعات العالمية، حيث تتسم هذه الفترة بـضعف السيولة وتراجع حجم التعاملات بشكل كبير. فمع إغلاق معظم محلات الصاغة والورش والمستوردين أبوابها للاحتفال بالعيد، ينخفض الطلب الفعلي من قبل المستهلكين والمصنعين على حد سواء.

 

هذا الهدوء في السوق المحلية يجعلها أكثر تأثراً بالأسعار العالمية، حيث لا يوجد طلب محلي قوي يمكن أن يمتص الصدمات أو يحد من وتيرة الانخفاض.

 

وعادة ما يتركز نشاط الشراء لأغراض الهدايا أو الاستثمار في الأسابيع التي تسبق العيد، بينما تشهد أيام العيد نفسها حالة من الركود النسبي، مما يجعل الأسعار المعلنة انعكاساً شبه كامل للأسعار في البورصات الدولية.

 

تحليلات الخبراء وتوقعات المستقبل

يرى المحللون أن حركة الفضة الحالية تقع ضمن النطاق المتوقع في ظل الظروف الاقتصادية السائدة وفي هذا السياق، يقدم الخبير الاقتصادي، الأستاذ علي الشامي، رؤيته قائلاً:"ما نشهده اليوم في سوق الفضة هو مزيج طبيعي من ضغوط الاقتصاد الكلي العالمية والهدوء الموسمي المحلي. التراجع ليس مفاجئاً، بل هو استجابة منطقية لقوة الدولار وتوقعات أسعار الفائدة. يجب على المستثمرين مراقبة البيانات الاقتصادية القادمة من الولايات المتحدة والصين عن كثب، فالأولى تحدد مسار السياسة النقدية، والثانية تعد مؤشراً حيوياً على حجم الطلب الصناعي على الفضة، الذي يمثل أكثر من نصف إجمالي الطلب العالمي على المعدن."

 

ويضيف الخبراء أن الفضة، بفضل دورها المزدوج كـمعدن ثمين ومادة صناعية أساسية، تظل رهينة لاتجاهين مختلفين. فبينما يتأثر جانبها الاستثماري بأسعار الفائدة والدولار، يتأثر جانبها الصناعي، خاصة في قطاعات الطاقة الشمسية والإلكترونيات والسيارات الكهربائية، بحالة النمو الاقتصادي العالمي.

 

لذلك، فإن أي بيانات تشير إلى تباطؤ اقتصادي قد تضع ضغوطاً إضافية على الأسعار في المدى المتوسط.

 

ختاماً، يمكن القول إن تراجع أسعار الفضة في ثاني أيام العيد يمثل محطة طبيعية في مسارها المتقلب. وبالنسبة للمستهلكين، قد يشكل هذا الانخفاض فرصة جيدة للشراء بأسعار أقل نسبياً، خاصة لأولئك الذين يخططون للشراء على المدى الطويل.

 

أما بالنسبة للمستثمرين، فإن الصورة لا تزال تتطلب الحذر والترقب، حيث ستتضح الرؤية بشكل أكبر مع عودة الأسواق المحلية للعمل بكامل طاقتها بعد انتهاء عطلة العيد، وصدور بيانات اقتصادية جديدة قد تعيد رسم خريطة أسعار المعادن الثمينة خلال النصف الثاني من العام.

 

ويبقى الأداء المستقبلي للفضة معتمداً بشكل كبير على التوازن الدقيق بين السياسات النقدية العالمية ومعدلات النمو الاقتصادي.