كشفت دراسة حديثة عن تراجع كبير في ثقة المواطنين البريطانيين بقوة اقتصاد بلادهم خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث انخفضت نسبة الثقة من 45% في مايو 2015 إلى 28% فقط في عام 2025.

 

ويعزى هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، من أبرزها أزمة تكاليف المعيشة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن التأثيرات السلبية للاضطرابات الجيوسياسية المتزايدة حول العالم.

 

وأشارت الدراسة التي أجرتها وكالة «بي إيه ميديا» ونشرتها في تقريرها، إلى أن تقريرًا صادرًا عن بنك «باركليز» تحت عنوان "عشر سنوات من الإنفاق"، قد استعرض التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على أنماط الإنفاق وثقة المستهلكين في بريطانيا خلال العقد الماضي.

 

ورغم التراجع العام في ثقة المواطنين تجاه الأداء الاقتصادي، ظل الإنفاق على الكماليات والسلع غير الضرورية قويًا نسبيًا، حيث أظهرت البيانات أن نحو 53% من المستهلكين حافظوا على مستويات إنفاق مرتفعة في هذا الجانب منذ عام 2015 وحتى الآن.

 

وهو ما يُعد مؤشرًا على أن بعض الشرائح لا تزال قادرة على الحفاظ على أنماط استهلاك مرنة، رغم الأزمات المتلاحقة.

 

وفي الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2024، ارتفع الإنفاق التقديري للأسر البريطانية بنسبة 9.2% على أساس سنوي، وهو ما تجاوز معدلات نمو الإنفاق الأساسي، الذي سجل ارتفاعًا بنسبة 5% فقط.

 

ويعكس هذا التحول أن البريطانيين، رغم الضغوط الاقتصادية المتزايدة، لا يزالون يحتفظون برغبتهم في الإنفاق على ما يُشعرهم بالراحة أو الترفيه، سواء في مجالات السفر أو الترفيه أو التسوق.

 

واعتمدت الدراسة على تحليل مليارات المعاملات البنكية، إلى جانب أكثر من 200 ألف استطلاع للرأي حول ثقة المستهلكين، منذ عام 2015 وحتى العام الجاري.

 

وأشارت النتائج إلى تحولات جوهرية في سلوك الإنفاق، حيث أصبح نحو 66% من المستهلكين أكثر حرصًا على موازنة دخلهم ومصروفاتهم مقارنة بالعقد السابق، وهو ما يشير إلى حالة من الوعي المالي المتزايد لدى الأسر البريطانية في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الشرائية.

 

وتُعد أزمة تكلفة المعيشة من أبرز المحركات الرئيسية لهذا التحول، حيث يواجه المواطنون ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المواد الغذائية والخدمات والطاقة، بالتوازي مع تباطؤ النمو الاقتصادي وتذبذب سوق العمل.

 

كما أثّر الخروج من الاتحاد الأوروبي سلبًا على الثقة العامة في الاقتصاد، بعد أن تراجعت الاستثمارات الأجنبية وتزايدت التحديات التجارية.

 

ويعكس هذا التراجع في الثقة الاقتصادية، الذي تزامن مع تغيرات جذرية في سلوك المستهلك، واقعًا جديدًا للاقتصاد البريطاني، يفرض على صناع القرار ضرورة التكيف مع متغيرات الداخل والخارج، وتقديم سياسات مالية واقتصادية قادرة على استعادة الثقة وتحفيز النمو المستدام.