في قلب الحرم المكي الشريف، حيث تتلاقى أرواح الملايين في خشوع وتضرع، يبرز مشهدٌ فريد يضفي على المكان سحراً خاصاً: حمام الحمى.

 

هذه الطيور، التي تجوب ساحات الحرم بأمان وثقة، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هوية المكان المقدّس، وشاهداً على تاريخ طويل من الاحترام والتقدير.

 

حمام الحمى ليس مجرد طائر، بل هو رمز ديني وثقافي عميق الجذور في وجدان أهل مكة وزوارها.

 

يُعرف هذا الحمام بأنه محمي من الأذى، فلا يُصاد ولا يُطرد، بل يُعامل بكل احترام وتوقير. ويرجع ذلك إلى عقيدة راسخة تعتبره من طيور الحرم التي حظيت برعاية إلهية خاصة، واهتمام شعبي كبير عبر الأجيال.

 

تتداول الأجيال قصصاً وروايات تراثية حول حمام الحمى، تزيد من مكانته الروحية. من بين هذه الروايات أن هذه الطيور لا تضع بيضها إلا في حدود الحرم، وكأنها تدرك بحدسها حدود القداسة دون الحاجة إلى معالم أو إشارات مادية هذا الاعتقاد يعزز فكرة أن حمام الحمى يتمتع بصلة خاصة بالمكان، وأنه جزء لا يتجزأ من نسيجه الروحي.

 

يتنقل حمام الحمى بحرية تامة بين أروقة الحرم وساحاته الواسعة، يحط على أكتاف الحجاج أحياناً، أو يتجول بين الأرجل دون أدنى رهبة.

 

هذا المشهد الفريد يعكس حالة من السكينة والرحمة التي تسود المكان، ويُجسد مفهوم السلام الذي يمثله الحرم المكي. وقد تحول هذا الطائر إلى مظهر رمزي للسلام والطمأنينة، حتى بات العديد من الزوار يحرصون على التقاط الصور معه، بل وبعضهم يطعمه كنوع من التبرك أو المحبة.

 

تؤكد الجهات المختصة في الحرم المكي على أن الاعتداء على حمام الحمى يعتبر مخالفة جسيمة، يعاقب عليها النظام.

 

هذا التشديد يأتي في إطار الحفاظ على حرمة الحرم، وانسجاماً مع ما درج عليه أهل مكة من توقير كل ما يرتبط بهذا المقام العظيم. حمام الحمى، بهذا المعنى، ليس مجرد طائر، بل هو جزء من التراث الروحي والثقافي الذي يجب الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة.