في كشف علمي مذهل، توصل باحثون إلى أدلة جديدة تشرح أين تختبئ المادة العادية المفقودة في الكون، وهي تلك التي تشكل النجوم والكواكب والبشر، ولكن لم يكن بالإمكان رصد نصفها حتى الآن. فقد نشرت دراستان حديثتان، الأولى في مجلة Nature Astronomy بتاريخ 16 يونيو 2025، والثانية في Astronomy and Astrophysics، توصلتا إلى رسم خريطة للمادة العادية المنتشرة في الكون من خلال استخدام تقنيتين متقدمتين: انفجارات الراديو السريعة (FRBs) والأشعة السينية الباهتة. هذا الاكتشاف يمثل خطوة كبيرة نحو فهم أفضل لتركيب الكون وتطوره.

 

لغز كوني: أين المادة العادية المفقودة؟

 

بحسب وكالة ناسا، فإن "المادة العادية" — أو ما يُعرف بالباريونات — تشمل كل ما هو ملموس ومرئي في الكون، مثل النجوم والكواكب والبشر. ورغم أهميتها، فإن هذه المادة تمثل فقط 15% من إجمالي مادة الكون، بينما تشكّل المادة المظلمة النسبة الأكبر. ومع ذلك، فإن نصف هذه المادة الباريونية لا يمكن رصده بشكل مباشر، لأنها منتشرة بشكل ضبابي ودقيق في الفضاء، كأنها "ضباب كوني" خافت. هذا التحدي دفع العلماء للبحث عن طرق مبتكرة لرصد هذه المادة المفقودة وفهم طبيعتها.

 

رصد المادة الخفية بموجات الراديو السريعة

 

استخدم العلماء انفجارات الراديو السريعة (FRBs) — وهي ومضات شديدة وسريعة من موجات الراديو تدوم لجزء من الثانية وتأتي من مجرات بعيدة — لتتبع المادة المنتشرة في الفضاء. ومن خلال تحليل بيانات 70 انفجارًا، أحدها جاء من مسافة تُقدر بـ9 مليارات سنة ضوئية، توصل الباحثون إلى أن حوالي 76% من المادة العادية موجودة داخل المجرات، و15% منها تحيط بالمجرات على شكل "هالات"، بينما تنتشر البقية داخل الفضاء بين المجرات. هذه النتائج تقدم رؤية جديدة لتوزيع المادة في الكون وتؤكد أهمية FRBs كأداة قوية للاستكشاف الكوني.

 

تصوير خيوط الغاز بالأشعة السينية 

 

في الدراسة الثانية، قام فريق آخر من العلماء باستخدام بيانات الأشعة السينية للكشف عن خيط طويل من الغاز الساخن يمتد عبر 23 مليون سنة ضوئية، ويربط بين أربعة عناقيد مجرية. عبر تنقية الضوضاء وتحليل الفوتونات، وجد العلماء أن درجة حرارة الغاز تتجاوز 10 ملايين درجة مئوية، وكثافته تصل إلى 10 بروتونات لكل متر مكعب — وهي نتائج تتطابق مع النماذج النظرية التي حاولت تفسير مكان وجود المادة المفقودة. هذا الاكتشاف يؤكد وجود شبكة واسعة من الغاز الساخن تربط المجرات وتساهم في فهمنا لتشكيل الهياكل الكونية الكبيرة.

 

آفاق جديدة لفهم تشكل المجرات والكون

 

تشكل الدراستان معًا نقطة تحول في فهمنا لتوزيع المادة العادية في الكون، وتمنح العلماء صورة أكثر اكتمالًا لتركيب الكون وهيكله. ويأمل الباحثون أن يؤدي الجمع بين تقنيات المراقبة مثل FRBs والأشعة السينية إلى تسريع اكتشافات أكبر، خاصة فيما يتعلق بتشكل المجرات وتاريخ تطور الكون.

"هذه الاكتشافات تفتح آفاقًا جديدة لفهم كيفية تطور الكون وتشكل المجرات، وتؤكد على أهمية الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة لاستكشاف أسرار الكون."

هذا التقدم العلمي يمثل إنجازًا كبيرًا ويعد بمستقبل واعد في مجال علم الفلك والفيزياء الكونية.