تواصل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حاليًا صوم الآباء الرسل، وهو أحد الأصوام الهامة في التقويم الكنسي. يتميز هذا الصوم بكونه الوحيد الذي تختلف مدته من عام إلى آخر، مما يجعله حدثًا سنويًا متجددًا يربط المؤمنين بتاريخ الكنيسة وتقاليدها العريقة. يبدأ الصوم مباشرة بعد عيد العنصرة ويستمر حتى يوم 5 أبيب، الذي يوافق الثاني عشر من شهر يوليو، وتتغير بدايته تبعًا لموعد عيد القيامة المجيد وعيد العنصرة، مما يستدعي متابعة دقيقة للتقويم الكنسي.
صوم الرسل يُصنف ضمن أصوام الدرجة الثانية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهذا يعني وجود تخفيفات معينة للمؤمنين خلال فترة الصوم. يمتنع الأقباط عن تناول اللحوم والدواجن ومشتقات الألبان، مع السماح بتناول الأسماك، وذلك تخفيفًا على الشعب نظرًا لكثرة أيام الصوم على مدار العام، وأيضًا مراعاة لاحتياج البعض للبروتين الحيواني الضروري لصحة الجسم. هذا التوازن بين الالتزام الروحي والاحتياجات الجسدية يعكس حكمة الكنيسة في وضع هذه الأصوام.
وتجدر الإشارة إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تصنف الأصوام إلى درجات مختلفة، تعكس أهميتها ومستوى الالتزام المطلوب فيها. الأصوام من الدرجة الأولى تشمل: الأربعاء والجمعة، والصوم الكبير (صوم عيد القيامة)، وصوم يونان، وبرمون الميلاد والغطاس. بينما تضم أصوام الدرجة الثانية: صوم الميلاد، وصوم الرسل، وصوم السيدة العذراء. هذا التصنيف يساعد المؤمنين على فهم الأهمية النسبية لكل صوم وتحديد مستوى الالتزام المناسب لهم.
الأعياد والأصوام تلعب دورًا محوريًا في حياة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فهي ليست مجرد مناسبات دينية، بل هي وسيلة روحية تعكس عمق الإيمان وتجسد حكمة الآباء في وضعها. فتحتل الأصوام مكانة خاصة في القلب والعقل المسيحي، فهي ليست مجرد امتناع عن الطعام، بل هي دعوة للصلاة والتوبة والتقرب إلى الله.
"الصوم الحقيقي هو ليس فقط الامتناع عن الطعام، بل هو تغيير في القلب والفكر، وتكريس للوقت في الصلاة والتأمل."
هذه المقولة تعكس الفهم العميق للصوم في الكنيسة القبطية.
من اللافت أن الكنيسة وضعت هذه الأصوام وفق رؤية روحية عميقة، تهدف إلى تقوية العلاقة بين الإنسان وخالقه. فالصوم يساعد على ترويض الجسد وإخضاع الشهوات، مما يتيح للروح أن تسمو وتتصل بالله. كما أن الصوم يذكرنا بفقر الآخرين وحاجتهم، ويدفعنا إلى العطاء والمحبة. إن صوم الآباء الرسل، كغيره من الأصوام في الكنيسة القبطية، هو فرصة للتجديد الروحي والنمو في الإيمان.