في إطار حرص القانون المصري على تحقيق العدالة الجنائية المتوازنة، أتاح المشرّع إمكانية التصالح في عدد من الجنح التي لا تشكل خطورة جسيمة على النظام العام، وذلك بهدف تخفيف الضغط عن المحاكم وتشجيع الحلول الودية بين المتنازعين.

 

هذه الآلية القانونية تعكس رؤية تهدف إلى معالجة القضايا الجنائية بطريقة أكثر فعالية، مع الأخذ في الاعتبار حقوق الضحايا والمصلحة العامة.

 

التصالح يمثل بديلاً عن الإجراءات القضائية التقليدية، مما يقلل من التكاليف والوقت المستغرق في التقاضي.

 

تُعد بعض الجنح من النوع الذي يسمح فيه القانون بإنهاء النزاع بالتصالح، ما يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية حال إتمامه، بشرط موافقة المجني عليه.

 

هذا الشرط أساسي لضمان عدم إجبار الضحية على التنازل عن حقوقه، وأن يكون التصالح نابعًا من رغبة حقيقية في إنهاء النزاع بطريقة سلمية.

 

القانون يضع هذا الضمان لحماية مصالح الضحايا، والتأكد من أن التصالح لا يتم تحت أي ضغط أو إكراه.

 

أبرز الجنح التي يجوز التصالح فيها

 

فيما يلي أبرز الجنح التي يجوز التصالح فيها أمام محكمة الجنح، وفقًا للقانون المصري.

 

هذه الجنح تشمل قضايا متنوعة تتراوح بين الأخطاء غير المقصودة والجرائم المالية البسيطة.

 

التصالح في هذه القضايا يمثل فرصة للمتهم لتجنب العقوبات الجنائية، وللضحية لاستعادة حقوقه بطريقة أسرع وأكثر فعالية من خلال التعويض أو التسوية.

  1. القتل الخطأ: وذلك وفقًا لنص المادة 238 من قانون العقوبات، في فقرتيها الأولى والثانية. التصالح في قضايا القتل الخطأ يتطلب عادة دفع تعويض مالي لأهل الضحية، ويتم بعد موافقة جميع الأطراف المعنية.
  2. جرائم النصب: وتشمل الحالات المنصوص عليها في المادة 336 من القانون. التصالح في قضايا النصب يتم عادة عن طريق رد المبلغ المسلوب أو التعويض عن الضرر الذي لحق بالضحية.
  3. خيانة الأمانة في أوراق موقعة على بياض: بحسب المادة 340. في هذه القضايا، يتم التصالح عادة عن طريق إعادة الورقة أو التعويض عن الضرر الناتج عن استخدامها بطريقة غير مشروعة.
  4. انتهاك حرمة ملك الغير: وتشمل المواد 370 و371 و373، المتعلقة بالتعدي على ممتلكات الآخرين دون وجه حق. التصالح في هذه القضايا يتم عادة عن طريق إزالة التعدي وإعادة الحال إلى ما كان عليه، أو دفع تعويض مالي عن الضرر الذي لحق بالملكية.

 

ويُعد التصالح في هذه القضايا وسيلة فعّالة لإنهاء النزاعات دون اللجوء إلى الأحكام القضائية، مما يوفر الوقت والجهد ويُسهم في تخفيف العبء عن المنظومة القضائية.

 

بالإضافة إلى ذلك، يساهم التصالح في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتجنب الخصومات الطويلة الأمد التي قد تنشأ عن الإجراءات القضائية التقليدية.

 

التصالح يعزز ثقافة الحوار والتسوية، ويساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتعاونًا.