مع إشراقة شمس ثاني أيام عيد الفطر المبارك، تحولت حديقة الأزهر في قلب القاهرة إلى مسرح مفتوح للفرح والبهجة، حيث توافدت عليها مئات الأسر المصرية لقضاء أوقات ممتعة وسط المساحات الخضراء الشاسعة والطبيعة الخلابة.

 

وفي مشهد لافت يجسد براءة الطفولة وروح العيد، كانت أصوات ضحكات الأطفال وصيحاتهم الحماسية هي السمة الأبرز، إذ انتشروا في أرجاء الحديقة، مرتدين ملابسهم الجديدة الزاهية، وقد تحولت أقدامهم الصغيرة إلى محركات لا تعرف الكلل وهي تداعب كرة القدم، في مباريات عفوية لا تخضع لقانون سوى الشغف وحب اللعب.

 

لقد كانت الحديقة بمثابة لوحة فنية نابضة بالحياة، ألوانها ملابس الأطفال الزاهية، وموسيقاها ضحكاتهم التي تتعالى مع كل هدف يُسجل أو فرصة تضيع.

 

مشهد يتكرر.. وشغف لا ينتهي

على امتداد المسطحات الخضراء، تشكلت فرق كرة قدم صغيرة وغير منظمة، جمعت أطفالاً من مختلف الأعمار، بعضهم لا يعرف الآخر، لكن لغة الكرة كانت كفيلة بتوحيدهم في فريق واحد يسعى لهدف مشترك هو تسجيل الأهداف والمتعة.

 

تحولت حديقة الأزهر، كعادتها في كل عيد، إلى وجهة رئيسية للعائلات القاهرية الباحثة عن متنفس طبيعي لأبنائها. ولم تكن هناك حاجة لمرمى حقيقي، فقد استُعيض عنه بزوج من الأحذية أو حقيبتين وُضعتا على العشب الأخضر لتحديد المرمى، ورغم بساطة الإمكانيات، إلا أن الحماس الذي أبداه هؤلاء اللاعبون الصغار كان يضاهي حماس اللاعبين في المباريات الرسمية.

 

لقد كانت كل مراوغة ناجحة تُقابل بالتصفيق، وكل هدف يُسجل يُحتفل به وكأنه هدف الفوز ببطولة عالمية، في تجسيد حي لشغف المصريين الأزلي بكرة القدم.

 

فسحة للعائلات ومتنفس من صخب المدينة

 

لم تقتصر مظاهر البهجة على اللاعبين الصغار فحسب، بل امتدت لتشمل عائلاتهم التي افترشت العشب الأخضر لتكون جمهورهم الأول والمشجع الدائم. جلس الآباء والأمهات يراقبون أبناءهم بعيون تملؤها السعادة والفخر، وتتعالى أصواتهم بالتشجيع والضحك مع كل لقطة طريفة أو مهارة غير متوقعة.

 

تُعد الحديقة بموقعها الفريد وإطلالتها على معالم القاهرة التاريخية ملاذاً مثالياً للهروب من صخب الحياة اليومية وضوضاء المدينة، مما يوفر بيئة هادئة وآمنة تتيح للأسر قضاء وقت نوعي معاً.

 

وبينما كان الأطفال يركضون خلف الكرة، كانت الأحاديث الودية تجمع الكبار، في جو من الألفة والمحبة يعكس الروابط الاجتماعية التي يعززها العيد.

 

أصداء الفرح في عيون الحاضرين

تعكس هذه التجمعات العفوية أهمية وجود مساحات عامة خضراء في المدن الكبرى، فهي لا تخدم كمتنفس بيئي فقط، بل كساحة للتفاعل الاجتماعي وبناء الذكريات. وفي حديث مع أحد الآباء، السيد خالد إبراهيم، الذي كان يراقب ابنيه وهما يلعبان بحماس، قال:"هذه اللحظات هي العيد الحقيقي. لا شيء يضاهي رؤية الفرحة الصافية في عيون أطفالك وهم يلعبون بحرية وأمان. في زحمة الحياة، ننسى أحياناً أن هذه المتع البسيطة هي ما يبقى في الذاكرة. نريدهم أن يتذكروا عيدهم مرتبطاً باللعب والضحك مع أصدقائهم في الهواء الطلق، وهذه الحديقة توفر لنا هذه الفرصة الثمينة كل عام."

 

هذه الكلمات تلخص شعور الكثير من الأسر الحاضرة، التي وجدت في بساطة المشهد تعبيراً عميقاً عن معنى العيد، الذي يتمحور حول لم الشمل وصناعة ذكريات سعيدة تدوم طويلاً.

 

أكثر من مجرد لعبة.. إنه العيد

مع اقتراب الشمس من المغيب، وإلقائها بظلالها الذهبية على أفق القاهرة الإسلامية، بدأت المباريات الصغيرة تصل إلى نهايتها، لكن أصداء الفرح والنشاط ظلت تتردد في أرجاء الحديقة.

 

لم تكن هذه المشاهد مجرد أطفال يلعبون كرة القدم، بل كانت طقساً احتفالياً، ولوحة اجتماعية حية تعبر عن هوية المكان وروح المناسبة. إنها قصة عن البراءة، وعن الطاقة التي لا تنضب، وعن أهمية تخصيص أوقات للفرح الخالص بعيداً عن تعقيدات الحياة.

 

تظل هذه المشاهد العفوية التي تجمع بين براءة الطفولة وروحانية العيد هي التعبير الأصدق عن فرحة المجتمع، وتؤكد أن بهجة العيد الحقيقية تكمن في التفاصيل الصغيرة والضحكات الصادقة التي ترسمها مثل هذه التجمعات على وجوه الصغار والكبار على حد سواء.