في خطوة تعكس طموح الدولة المصرية نحو اقتحام مجالات المستقبل التكنولوجية، تبرز كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء بجامعة بني سويف كصرح علمي فريد من نوعه، ليس فقط على مستوى مصر بل في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
تمثل هذه الكلية، التي تعد الأولى والوحيدة المتخصصة في هذا المجال الدقيق، استثمارًا استراتيجيًا في رأس المال البشري، يهدف إلى إعداد كوادر وطنية مؤهلة لقيادة البرنامج الفضائي المصري والمساهمة بفعالية في صناعة تكنولوجيا الأقمار الصناعية والملاحة المتقدمة.
إن تأسيس هذه الكلية يأتي استجابةً مباشرةً للتوجه العالمي نحو علوم الفضاء، ويضع مصر على خريطة الدول التي تمتلك رؤية واضحة لمستقبل يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الفضائية وتطبيقاتها المتعددة في مجالات التنمية والاتصالات والأمن القومي.
نظام دراسي متطور يجمع بين النظرية والتطبيق
تعتمد كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء نظامًا دراسيًا حديثًا ومواكبًا لأفضل المعايير العالمية، حيث تمتد الدراسة بها لمدة خمس سنوات دراسية بنظام الساعات المعتمدة، مما يمنح الطلاب مرونة في اختيار المقررات الدراسية وتصميم مسارهم الأكاديمي.
لا يقتصر المنهج الدراسي على المحاضرات النظرية فحسب، بل يركز بشكل أساسي على الجانب العملي والتطبيقي. يقضي الطلاب ساعات طويلة في المعامل المتخصصة والمختبرات المجهزة بأحدث التقنيات التي تحاكي بيئات العمل الحقيقية في وكالات الفضاء ومراكز التحكم بالأقمار الصناعية.
وتهدف الكلية إلى صقل مهارات الطلاب من خلال التدريب الميداني بالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية وغيرها من المؤسسات الصناعية والبحثية ذات الصلة، لضمان تخريج جيل قادر على المنافسة في سوق العمل العالمي والمحلي فور تخرجه.
أقسام علمية متخصصة لمستقبل واعد
لتحقيق أهدافها الطموحة، تضم الكلية ثلاثة أقسام علمية رئيسية تم تصميمها بعناية لتغطية كافة جوانب هذا المجال الحيوي. القسم الأول هو قسم علوم الفضاء، والذي يركز على دراسة الفيزياء الفلكية، وديناميكيات الأجرام السماوية، وبيئة الفضاء الخارجي، وتصميم مهام المركبات الفضائية.
أما القسم الثاني فهو قسم علوم الملاحة الفضائية، ويهتم بتعليم الطلاب أسس أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية (GNSS) مثل نظام GPS، وأنظمة الملاحة بالقصور الذاتي، وتطبيقاتها في الطيران والملاحة البحرية والبرية.
وأخيرًا، يأتي قسم اتصالات الفضاء، الذي يختص بدراسة تصميم وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، وأنظمة الاتصالات اللاسلكية، ومعالجة الإشارات والصور المستلمة من الفضاء، مما يفتح آفاقًا واسعة أمام الخريجين للعمل في قطاع الاتصالات والبث الفضائي.
"إننا لا نهدف فقط إلى تخريج مهندسين وتقنيين، بل نسعى لبناء جيل من العلماء والقادة القادرين على قيادة طموحات مصر الفضائية وتحويلها إلى واقع ملموس يخدم أهداف التنمية المستدامة." - مصدر مسؤول بالكلية.
شروط القبول والالتحاق: بوابة النخبة العلمية
نظراً لطبيعتها المتخصصة والمتقدمة، تضع الكلية شروطًا دقيقة لاختيار طلابها لضمان التحاق العناصر الأكثر تميزًا وشغفًا بهذا المجال. يتم قبول الطلاب عن طريق مكتب التنسيق الحكومي للجامعات، حيث تقتصر الكلية على قبول الحاصلين على شهادة الثانوية العامة (الشعبة العلمية)، بقسميها العلوم والرياضيات.
ولا يكفي الحصول على المجموع المطلوب للالتحاق، بل يتوجب على الطالب اجتياز اختبارات القدرات التي تنظمها الكلية بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة. تتضمن هذه الاختبارات قياس مهارات الطالب في مواد الرياضيات والفيزياء، بالإضافة إلى اختبارات في اللغة الإنجليزية والتفكير النقدي والابتكاري، وهي تعد بمثابة مقياس حقيقي لمدى استعداد الطالب وقدرته على استيعاب المناهج الدراسية المتقدمة التي تقدمها الكلية.
آفاق مهنية واسعة لخريجي الكلية
يفتح التخرج من كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء الباب أمام مستقبل مهني واعد ومسارات وظيفية متنوعة وغير تقليدية. يعتبر الخريجون عملة نادرة في سوق العمل، وتتهافت عليهم العديد من الجهات المرموقة.
تشمل أبرز مجالات العمل المتاحة وكالة الفضاء المصرية، وبرنامج الفضاء الوطني، ومركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى الشركات الكبرى العاملة في مجال الأقمار الصناعية مثل شركة "نايل سات". كما يمكن للخريجين العمل في قطاع الطيران المدني والعسكري، والملاحة البحرية، وهيئات الأرصاد الجوية، ومراكز البحث العلمي المتخصصة في الاستشعار عن بعد وتحليل البيانات الفضائية.
وبذلك، لا يساهم خريجو الكلية في تحقيق حلم مصر الفضائي فحسب، بل يصبحون أيضًا محركًا أساسيًا للابتكار والتطور التكنولوجي في مختلف القطاعات الحيوية للدولة.