يُمثّل قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية، إطاراً تشريعياً متكاملاً يهدف إلى تحقيق التوازن الدقيق بين مقتضيات المصلحة العامة وكفاءة الجهاز الإداري للدولة، وبين ضمان حقوق الموظفين وتوفير بيئة عمل داعمة ومحفزة.
وفي هذا السياق، يبرز اهتمام المشرّع بالجوانب الإنسانية والاجتماعية من خلال تحديد حالات استثنائية يجوز فيها تخفيض ساعات العمل اليومية، بما يعكس رؤية حديثة للإدارة العامة تضع الاستقرار الأسري ودمج الفئات الأولى بالرعاية في صميم أولوياتها.
وتأتي هذه الأحكام لتؤكد على أن إنتاجية الموظف لا تقاس بعدد الساعات المطلقة بقدر ما ترتبط بجودة الأداء والولاء الوظيفي، وهو ما تسعى هذه التشريعات إلى تعزيزه من خلال منح المرونة اللازمة في ظروف محددة.
الإطار العام لتنظيم ساعات العمل
أرست المادة (45) من قانون الخدمة المدنية المبدأ العام الذي يحكم تنظيم أوقات العمل الرسمية، حيث منحت السلطة المختصة في كل جهة إدارية صلاحية تحديد أيام العمل الأسبوعية ومواعيدها وتوزيع ساعاتها.
وقد وضع القانون حداً أدنى وأقصى لساعات العمل الأسبوعية، مشترطاً ألا تقل عن خمس وثلاثين ساعة وألا تزيد على اثنتين وأربعين ساعة.
هذا النطاق يمنح الجهات الإدارية المرونة الكافية لتنظيم العمل وفقاً لطبيعة مهامها واحتياجاتها التشغيلية، بما يخدم المصلحة العامة.
إلا أن المادة ذاتها لم تغفل الحالات الخاصة، فنصت صراحة على مبدأ تخفيض عدد ساعات العمل اليومية بمقدار ساعة واحدة لفئات معينة، وهو ما يعد استثناءً إنسانياً يراعي الظروف الصحية والاجتماعية للموظف، ويُعد تجسيداً لالتزام الدولة بتوفير بيئة عمل ملائمة للجميع.
الفئات المستفيدة من تخفيض ساعات العمل وفقاً للائحة التنفيذية
جاءت المادة (131) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية لتفصّل وتوضح الحالات التي يسري عليها هذا التخفيض، محددةً أربع فئات رئيسية تستحق هذا الحق بشكل مباشر.
وتشمل هذه الفئات كلاً من: الموظف ذي الإعاقة، في خطوة تهدف إلى تعزيز دمجهم في بيئة العمل وتخفيف الأعباء التي قد يواجهونها.
كما يمتد هذا الحق ليشمل الموظف الذي لديه ولد من ذوي الإعاقة، شريطة الحصول على قرار من المجلس الطبي المختص يثبت الإعاقة، وهو ما يعكس دعماً قانونياً واجتماعياً للأسرة التي ترعى أحد أفرادها من ذوي الإعاقة.
وتضمنت القائمة كذلك الموظفة التي ترضع طفلها وحتى بلوغه العامين، وهو نص يدعم الأم العاملة ويضمن حق الرضيع في الرعاية الطبيعية.
وأخيراً، تستفيد من هذا التخفيض الموظفة الحامل اعتباراً من الشهر السادس للحمل، تقديراً للظروف الصحية التي تمر بها في هذه المرحلة وحفاظاً على صحتها وصحة جنينها.
الأثر الاجتماعي والتشريعي لهذه الأحكام
تتجاوز هذه الأحكام كونها مجرد مزايا وظيفية، لتمثل ركيزة أساسية في بناء مجتمع عمل أكثر عدالة وإنسانية.
فعلى الصعيد الاجتماعي، تساهم هذه النصوص في تعزيز التماسك الأسري من خلال تمكين الموظفين والموظفات من الموازنة بين متطلبات العمل ومسؤولياتهم العائلية، خاصة في الحالات التي تتطلب رعاية خاصة.
كما أنها تعد أداة تشريعية فعّالة لترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة في النسيج الوظيفي للدولة، وتحويلهم إلى طاقة منتجة ومشاركة.
اقتصاديًا، وعلى الرغم من أن تخفيض ساعات العمل قد يبدو كتكلفة مباشرة، إلا أنه على المدى الطويل يعزز من ولاء الموظفين ويقلل من معدلات الغياب والإجهاد الوظيفي، مما ينعكس إيجاباً على مستوى الإنتاجية العامة واستقرار بيئة العمل داخل الجهاز الإداري للدولة.
في الختام، يؤكد قانون الخدمة المدنية من خلال هذه المواد على فلسفة إدارية حديثة توازن بين الحقوق والواجبات.
فبينما يمنح الموظف حقوقاً تراعي ظروفه الإنسانية، فإنه يشدد في المقابل على ضرورة الالتزام والانضباط الوظيفي.
وقد أوضحت المادة (45) هذا التوازن بشكل جلي، حيث أكدت على أن الانقطاع عن العمل دون إذن أو إجازة قانونية يعرض الموظف لعقوبات صارمة.
وبهذا، يرسخ القانون ثقافة تقوم على المسؤولية المتبادلة، حيث تلتزم الدولة بتوفير بيئة عمل داعمة، ويلتزم الموظف بأداء واجباته بكفاءة وأمانة، مما يصب في النهاية في صالح تحقيق الأهداف القومية وخدمة المواطنين.
"ولا يجوز للموظف أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يُرخص له بها في حدود الإجازات المقررة في هذا القانون ووفقاً للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية، وإلا حُرم من أجره دون إخلال بمسئوليته التأديبية."
---