في سابقة هي الأولى من نوعها، تشهد الأسواق المغربية تحولاً جذرياً في استعداداتها لعيد الأضحى المبارك هذا العام. فبعد القرار التاريخي الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس، والقاضي بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية، نتيجة للتراجع الحاد في أعداد رؤوس الماشية وتداعيات الجفاف المقلقة، توجهت أنظار المواطنين نحو بدائل غير تقليدية للاحتفاء بهذه المناسبة الدينية.
وفي هذا السياق، برزت اللحوم البيضاء، وعلى رأسها لحم "الديك الرومي"، كخيار رئيسي على موائد الأسر المغربية، مما أدى إلى إقبال غير مسبوق في مختلف الأسواق، مثل سوق أولاد موسى الأسبوعي الشهير بضواحي مدينة بني ملال، والذي عكس بوضوح هذا التغير الكبير في النمط الاستهلاكي المرتبط بالعيد.
إقبال غير مسبوق يرفع الطلب على "الرومي"
تحولت أسواق الدواجن واللحوم البيضاء إلى وجهة أساسية للمواطنين الباحثين عن بديل لأضحية العيد، في محاولة منهم للحفاظ على الجانب الاحتفالي والاجتماعي للمناسبة وقد لوحظ إقبال كثيف بشكل خاص على شراء الديك الرومي الكامل، الذي اعتبره الكثيرون الأقرب من حيث الحجم والأهمية الرمزية لخروف الأضحية.
وقد ذكرت مصادر إعلامية محلية، من بينها "اليوم 24"، أن هذا الإقبال الكثيف لم يكن متوقعاً بهذا الحجم، مما خلق ضغطاً هائلاً على العرض المتوفر في الأسواق. وأصبح مشهد العائلات وهي تتفاوض على أسعار الديوك الرومية هو السائد، بديلاً عن المشاهد المألوفة لشراء الأكباش، في تحول يعكس مرونة المجتمع في التكيف مع الظروف الاستثنائية التي فرضها الواقع البيئي والاقتصادي للمملكة.
لم يمر هذا الإقبال الكبير دون تداعيات اقتصادية مباشرة على جيوب المواطنين. فمع تزايد الطلب بشكل هائل، شهدت أسعار لحم الديك الرومي قفزة سعرية كبيرة، حيث ارتفع ثمن الكيلوجرام الواحد بشكل ملحوظ. وتشير التقارير إلى أن السعر انتقل من متوسط 40 درهماً مغربياً للكيلوجرام قبل الإعلان عن القرار الملكي، ليصل إلى ما يقارب 65 درهماً، أي بزيادة تقدر بنحو 30 درهماً.
وقد أثارت هذه الزيادة المفاجئة موجة من الاستياء والتذمر في صفوف عدد كبير من المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم أمام غلاء جديد لم يكن في الحسبان.
وقد عبر العديد من المتسوقين عن خيبة أملهم، معتبرين أن هذا الارتفاع الكبير في الأسعار قد فاق قدرتهم الشرائية، وحول البديل الذي كانوا يأملون أن يكون ميسور التكلفة إلى عبء إضافي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الكثيرون.
إجراءات حكومية مشددة لإنفاذ القرار الملكي
تزامناً مع هذه التطورات في الأسواق، باشرت السلطات المحلية في مختلف أرجاء المملكة بتنفيذ صارم للتوجيهات الملكية. فقد تم تفعيل قرار منع دخول الشاحنات المحملة بالمواشي إلى الأسواق الأسبوعية والعمومية، كما حدث في سوق أولاد مبارك القريب من بني ملال، لمنع أي محاولة لبيع الأضاحي بشكل سري.
كما شملت الإجراءات فرض حظر تام على بيع المواشي في الفضاءات العشوائية التي تنشط فيها شبكات "الشناقة" (الوسطاء غير القانونيين)، والذين يستغلون مثل هذه المناسبات لتحقيق أرباح طائلة. وتهدف هذه الخطوات إلى ضمان الالتزام الكامل بالقرار الرامي إلى حماية الثروة الحيوانية الوطنية التي تضررت بشدة.
مراقبة صارمة ومنع للمظاهر التقليدية المرتبطة بالعيد
لن تقتصر جهود السلطات على منع بيع الأضاحي فقط، بل ستمتد لتشمل مراقبة ومنع أي محاولة للذبح السري خلال أيام عيد الأضحى. وقد تم التأكيد على أن السلطات ستتابع بصرامة كل من يخالف القرار، وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة في حقهم.
وفي إطار أوسع، تم منع كافة الممارسات والأنشطة التقليدية المصاحبة للعيد والتي ترتبط مباشرة بشعيرة الذبح، مثل أنشطة شحذ السكاكين في الأماكن العامة، وبيع الفحم المخصص للشواء بكميات كبيرة، وغيرها من المظاهر التي تشكل جزءاً من طقوس العيد في الأعوام العادية.
وتأتي هذه الحزمة من الإجراءات لتؤكد على جدية الدولة في التعامل مع الأزمة الحالية، والحفاظ على المصلحة الوطنية العليا في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة.